حدد اسلوب ونمط حياتك

حدد اسلوب ونمط حياتك



إن مصطلح أسلوب أو نمط الحياة برز وتكرس كميول ورغبة لدى شريحة عريضة من المجتمع تساير وتتابع ما جد في عالم التقليعات والموضة، وكدا أساليب وفنون العيش وما تتطلبهس من إمكانيات ذاتية وموضوعية.
لكن هذا المفهوم والتصور لنمط وسياق العيش، لم يعد حكرا على فئة أو شريحة معينة، بل أصبح هذفا وتطلعا شعبيا تتقاطع فيه جميع شرائح المجتمع.
لقد أضحى مفهوم أسلوب الحياة وفن العيش هاجسا يوميا بالنسبة للطبقة الوسطى وطبقة كبار وعلية القوم. على اعتبار أنها دائما تواقة لتطوير وتحسين قدراتها وإمكانياتها المادية والموضوعية من أجل حياة أفضل.
فتطوير مستوانا المعيشي مطلب ومبتغى كل أفراد المجتمع. غير أن الوصول إليه يتدرج من السهولة إلى التعقد، حسب الجاهزية النفسية والمالية والفكرية للأشخاص المتوثبين للتوفق والتميز.
وحتى يتيسر لنا بلوغ نمط عيش متوازن ومواكب للمستجدات، يجب علينا أن نسخر الطقوس والعادات اليومية كآلية ووسيط، نستطيع من خلاله تحديد أسلوب ومنهاج لحياة نموذجية، يتغلب فيها الجانب العقلي في الإدارة والتفكير، كما يلزم استحضار الجانب الإنفعالي والعاطفي كسند ودعامة وحافز للمثابرة والاستمرارية.
وبمعنى آخر يلزمنا التدبر والتأمل في شكل وطريقة عيشنا، وكدا حظوظ تطوير وتحسين إمكانيات الحياة الهانئة والرغيدة.
إن التطلع للحياة أفضل وأجمل لا يتحقق إلا باستحضار التجربة والخبرة والتعلم والتأمل في مفاصل وميكانيزمات حركية الواقع المعيش.

1. أسلوب الحياة العلمية: العقل السليم في الجسم السليم

من المفاهيم التي تم التركيز عليها وترديدها في المقالات السابقة، الثقة في الذات، هذا العنصر والمعطى أساسي لتشخيص وتمثل الحياة الرغيدة والواعدة للتطور والارتقاء نحو الأفضل والأحسن.
وتعتبر الصحة من الأولويات والعناصر التي لا جدال في كونها الأساس والمحور لبلوغ الحياة السعيدة. لهذا يجب أن نحرص على مقوماتنا البدنية وعلى صحة وسلامة أدائها، والعمل على الاستمتاع والاعتدال بقدراتك عزيزي القارئ الجسدية، والاشتغال على صونها والمحافظة عليها.
فمن الخطأ أن نكون غير مبالين بأوضاعنا الصحية، ولا نعير اهتماما لإمكانياتنا وطاقاتنا الكامنة داخل ذواتنا، هذا التصرف والسلوك يؤشر على إمكانية الانحدار والتدهور في مسارنا الحياتي، وي تصور أسلوب أو نمط للحياة التي نريد ارتيادها وبلوغها.
إن أعراض وتمظهرات التعب والارهاق (البدني، النفسي) هي علامات وإشارات تندر بالأسوء، وهي محك ودليل على نقص واضطراب في الثقة وكدا مواجهة مباشرة لاحتياجاتنا الطبيعية.
فعدم إيلاء هذا الجانب الاهتمام الضروري، يؤدي إلى ميولات ونزوعات ومخاوف قد تنعكس على طريقة وأسلوب حياتنا اليومية. فنكون لا محالة عرضة للاكتئاب، ولاضطرابات في النوم ولحالات من التهييج والتشاؤم.

الحالات والنزوعات النفسية ليست عيوبا خلقية

إن هذه الانحرافات النفسية نابعة وناجمة عن الرفض اللاواعي لحياة نفسية إيجابية جياشة للتطور وإلى جودة في الحياة وما يرافقها ويصاحبها من أولويات.
فالتشبت بأسس وأساليب حياة صحية مستقيمة وسليمة يتركز حول الإجابة عن الاحتياجات الأساسية والمثلى.
ففي مجتمع إيقاع العيش فيه سريع ومطرد ومفهوم الجودة يكاد يكون شعارا في غالب الأحيان (ارتياد المقاهي، الأكل في المطاعم، وجبات السندويتشات…).
فلكي نتجنب التعرض لوعكات واضطرابات صحية، يستحسن تجنب هذا النوع من الغداء والتغذية، لأنها تكون في غالب الأوقات مضرة بالصحة، لما تحتويه من دسم ودهون وغيرها من المكونات التي نجهل طريقة اعدادها وطهيها.
من الأفضل عزيزي القارئ اجتناب هذه الأصناف والنوعيات من الأكل لأن عواقبها قد تكون وخيمة عاجلا أم آجلا. فالأبحاث والدراسات تؤكد على تزايد أمراض السمنة والبدانة في العقود الأخيرة بشكل مرعب.
فمجال صناعة الأغذية يستند على مفهوم الربح دون الالتفات إلى سلامة واحتياجات صحة المستهلك، وحتى نتفادى هذا الغلو والشره في تناول هذه النوعية من الوجبات الغذائية السريعة، يُنصح الاعتماد على تخطيط وتصور مسبق لحاجاتنا الغذائية وتبني الصرامة والحزم في اختيار مكوناتها، كالتركيز على الأطباق والوجبات التي تعتمد على الدهون الطبيعية، بمعنى آخر تناول أطباق تتوافر فيها معايير الجودة والسلامة الصحية.
الأطباء والمتخصصون في علم التغذية يشجعون الناس وينصحونهم بالوجبات المنزلية وتجنب التعود على ارتياد المطاعم والمقاهي.
وارتباطا بالتغذية، فالماء كمادة أساسية وحيوية في دوام واستمرار الكائن البشري يجب اعتماده كأساس وقاعدة للسلامة والصحة البدنية.

نمط الحياة اليومية ونظام سيرورتها

إن تنظيم حياتنا اليومية وترتيب واختيار نوعية الأطعمة وجودتها أساسي وضروري. فإذا كان الشغل والعمل يستأثر بقسط وافر من ساعات اليوم، فهذا لا يلغي أن نكون متوازنين فيما تبقى من ساعات اليوم. أي أننا يجب أن نحاول توظيف واستثمار الوقت الأبيض في انشغالات واهتمامات وميولات تدعم وتسهم في تيسير وتجويد أسلوب وطريقة الحياة.
فضبط وقت النوم والتحكم فيه، وكذلك الحرص على الأنشطة البدنية والرياضية، بالإضافة إلى التخطيط والتصميم على السير قُدُما نحو اختيار نمط عيش يحقق السكينة النفسية والذهنية، ويرضي تطلعاتنا وأهدافنا المادية والحياتية بصفة عامة.
هذه الآليات والعناصر مهمة لاجتناب الارتياب والشك وعدم اليقين، وبديهي أن هذا لا يعني القطيعة أو الارتجالية في تحديد وتعريف النمط والأسلوب النموذجي لحياة أفضل، بل هي محفزات وبواعث لتنظيم معقلن وتفكير مترابط ينساق مع انفعالاتنا وسلوكاتنا بدون خلل أو عدم توازن بين الذات والموضوع.

2. أسلوب الحياة مرتبط بالقيم والمثل الشخصية

ما دمنا نتواجد ونتفاعل داخل محيط لا يرتبط فقط بنا، فإننا نكون رهائن عادات وسلوكات ومعتقدات قد لا تتواءم وتتآلف مع توجهاتنا وميولاتنا الشخصية.
إن الذكاء الاجتماعي وإرضاء الآخرين، يتطلب تعزيز قدراتنا العلائقية، لأنها المحرك لانفعالاتنا وتصرفاتنا، فهذا التفاعل يُخلق عن طريق تبادل رهاناتنا وتطلعاتنا الهامة، لأن ذلك يؤكد هويتنا وميولاتنا الفكرية، ويمكننا كذلك من تفادي وتجنب الوقوع في تنازع وسوء فهم بسبب مصالح متبادلة مع الآخرين.
وفي هذا الإطار، فالعقلانية والواقعية تقتضي التفكير في الأساليب والطرق الممكنة لبلوغ الاشباع والانتشاء الذاتي، مع الحرص على التشبث بتصوراتنا وقيمنا، والمراهنة على الاستفادة من الخبرة والتجارب اليومية التي نعيشها أو نصادفها في واقعنا المعيش.
إن القيم والتمثلات التي يعيشها المجتمع حاضرة في جميع المجالات والحقول: فمثلا الانضباط في العمل واحترام شرف المهنة وسمعة الفاعلين داخله، دعامة وسند يوثق ثقتنا في ذواتنا وفي قدراتنا، ويبعدنا عن مناطق التماس ونقط التلاعب والتحايل.
فتوجيه النصائح والارشادات فيما يتعلق بسلوكات وقناعات الأفراد يبقى ضعيف الأثر والفائدة. لهذا عزيزي القارئ أدعوك إلى التمسك بما تمتلكه من قيم وقناعات وثمثلات، تعتبرها إطارا فكريا وسلوكيا للنجاح والتميز في حياتك اليومية والمهنية.
في المقالات السابقة كنا نركز على تقوية وإغناء مداركنا ومعارفنا بشكل مستمر ومتواصل، وكنا نعمل على أن نكون آذانا صاغية للطرف الآخر، وذلك باحترام آرائه ومواقفه.
فأنصحك عزيزي القارئ أن لا تنسلخ عن قناعاتك وتصورتك للحياة، وأن تكرس كل طاقاتك وقواك من أجل تحديد السبل والأساليب المواتية لعيشة متوازنة ومتوافقة مع احتياجاتك ورغباتك دون زهد أو غلو.

3. أسلوب الحياة وتوجهاتنا واختياراتنا الحياتية

إن البناء الذاتي والارتباط الوثيق بالقيم والمثل التي تحفزنا وتنعش طاقاتنا وقوانا، وكذلك رؤيتنا للعالم وللمحيط، بالإضافة إلى كيفية استثمار ما تعلمناه من التجارب والخبرات، وأيضا تنمية وتحسين أسلوبنا في الحياة وإغناءه حتى لا يعتريه الاضطراب والتردد. كلها عوامل وعناصر لا محيد عنها لحياة تنبض بالتفاؤل والتفكير الإيجابي في غد وحياة أفضل وأحسن.
وتأسيسا على ما سبق، فإن نمط وأسلوب وفن العيش يتطلب منا إيجاد سبل الراحة النفسية وتحديد أهدافنا والمضي قُدُما لانجازها وتحقيقها بكل عزم وطموح.
فالحديث عن نمط الحياة النموذجي لا يستقيم دون الاعتماد على مفاهيم مثل الاستطاعة والقدرة، وكدا عدم إقصاء وتهميش الجانب المادي في معادلة الحياة الهانئة والسعيدة، مع وجوب استحضار إمكانية الوقوع في الفشل والاخفاق.
إن الرهان الشخصي والذاتي والإرادة والعزم على رفع التحديات والتعلم من الحياة ومن الاخفاقات والمغامرات الغير المحسوبة، هي عناصر وعلل نعتمدها كوسائل لتحقيق أهدافنا. وتشكل الرؤية الواضحة والرغبة القوية والمتماسكة عمادا يسمح لنا باكتساب عقلية إيجابية وجسد سليم وسلوك يومي مطبوع بالواقعية والتميز في خلق فعل اجتماعي يحظى بقبول ورضى الآخرين.
فكيف عزيزي القارئ تتعامل مع هذا الموضوع الذي يفرض نفسه في سجالاتنا وتطلعاتنا الآنية والمستقبلية؟
وكيف نستطيع عزيزي القارئ تنظيم وترتيب أولوياتك واهتماماتك دون التفريط في هواياتك وميولاتك الفكرية؟

تعليقات